الهويات المحلية والتقسيمات الإدارية في سوريا
19 كانون الثاني، 2024، تلعب التقسيمات الإداريّة بما تعنيه من إجراءات إداريّة وتشمل ترسيم الحدود الداخلية بين المحافظات، والمناطق، والمدن، وتسميتها، وعدد مستوياتها (إقليم، محافظة، منطقة، مدينة، إلخ)، دوراً حاسماً في عملية التنمية المحلية، والاستقرار المجتمعيّ، والتّمثيل السّياسيّ. فلنأخذ مثالاً ما جرى في سوريا خمسينيّات وستينيّات القرن الماضي من تدخّلات مركزيّة لضبط الهويّات المحليّة عن طريق ترسيم خرائط التقسيمات الإداريّة، وتغيير بعض مسمّياتها، مثل: تعريب أسماء المناطق الكرديّة، وبعض الأسماء ذات الصّبغة الدينية أو الأصول الفينيقيّة في السّاحل، وإعادة تسمية محافظات حوران والجزيرة، والفرات، وإحداث محافظتي الرّقّة وإدلب، ثم إحداث محافظتي القنيطرة وطرطوس، فضلاً عن التعديلات المستمرّة للتّقسيمات الإداريّة على المستويات الأدنى من مناطق ونوا ح، وإعادة التّجميع والتّوزيع للوحدات الإداريّة للمدن والبلدات والبلديّات، كلّ ذلك أثّر بشكل كبير على شكل الهويّة المحليّة على امتداد الجغرافيا السّوريّة، كما أثّر على استقرار المجتمعات التي تقطنها.
تزخر الأدبيّات العالمية بحالات وفّرت فيها التّقسيمات الإداريّة ظروفاً للاستقرار، مثل إسبانيا، وبريطانيا، ودول أوروبا الشرقية، وبحالات أخرى أثارت القلاقل، بل وربّما العنف، كما حدث في باكستان العام 2010 عند إحداث محافظة خيبر بختونخوا، وإندونيسيا في العام 2003 عند تقسيم ولاية بابو، وبلجيكا عند تقسيم دائرة بروكسل-هالي-فيلفورد. بالتّالي، تصبح دراسة مثل هذه المسألة في سوريا قضيّة في غاية الأهمّيّة، في ظلّ نتائج الحرب الدّائرة في البلاد منذ العام 2011، وذلك لأسباب عديدة: البعد الطّائفيّ والإثنيّ للصّراع، وحالة التّقسيم الحاصلة في المحافظات السورية بين قوى السّيطرة المختلفة، وضرورة إيجاد بنى إدارية تعيد عجلة التّنمية في ظلّ الاقتصاد المتهالك الذي تعاني منه البلاد، وتحدّيات إعادة بناء التّماسك والسّلم المجتمعيّين، وتحدّيات تحديد الموطن الأصليّ للسكان؛ سواء الذين هجّرهم النّزاع أو أولئك الذين تركوا مواطن سكناهم قبل النّزاع في عمليّة التحول من الأرياف إلى المدن قبل العام 2011، وأخيراً أهمّيّة خيار اللّامركزيّة بوصفه مدخلاً للحلّ في سوريا، وبالتالي الحاجة إلى إعادة تشكيل البنية الإداريّة للبلاد بما ينسجم والتمثيل الأفضل للمجتمع.