الحريات لا تتجزأ، الصحافة والحق في التعبير أولى المطالب

مدونة ضيف بقلم أنس الراوي

8 أيار، 2023 - تزامن إعدادي لهذا النص مع اليوم العالمي للصحافة، وبهذه المناسبة أحببت أن أسجل فيه ما كتبه أحد الإعلاميين المحليين في صفحته الشخصية في فيسبوك: ((في الشمال السوري المحرر، لا يوجد شيء اسمه حرية الصحافة، ولا يسمح لك كصحفي أو إعلامي في الانتقاد، وخاصةً الفاسدين الذين يمكنهم الوصول لكل شيء يطلبونه بمساعدة مالهم وسلطتهم).

يعبر البوست الذي نشره الإعلامي على العام في فيسبوك في معناه ومبناه عن أكثر من تناقض نعيشه نحن ناس هذه المنطقة الجغرافية العصية على الفهم مثل عصيانها على الضبط والإدارة، كما يعبر عن سلطة الأفكار الجاهزة الاختزالية التي نتداولها سوريو هذه المنطقة وتسطح المعنى إن لم تقتله.

ترتبط أولى التناقضات بالتضاد بين كلمة المحرر التي تصف البقعة الجغرافية المعنية بالكلام، والمعنى الذي يحيل إليه من انتفاء أبسط أشكال الحرية المرتبط بالكلام، وهو معنى لم ينس السوريون أنهم خرجوا ضد سلطة القمع من أجله، وبدأوا به دون تخطيط حين كسروا جدار الصمت.

ترتبط ثاني التناقضات التي يحملها الكلام بواقع نشره في المجال العام بحيث يصل إلى الفاسدين أنفسهم، الذين يقول عنهم ذات الكلام أنهم يمنعون حرية الصحافة! على أن الأمر لا يرتبط بالضرورة بسوء تقدير الإعلامي أو استعجاله في إطلاق الإحكام، لكنه قد يرتبط بواقع حقيقي لا مكان فيه لحرية الصحافة والنقد إلا في حدودها العريضة، بمعنى أن يخرج النقد عمومياً، ولا تتناول الصحافة شأناً يخص جهة محددة أو شخصاً حقيقياً أو فكرة واضحة أو تفصيلة بحد ذاتها.

في المقابل يجد المتابع للمشهد في شمال غرب سورية، أن تجاوب الفاعلين السياسيين أو العسكريين مع الصحافة -في حال استطاعت الخروج من العموميات عبر حدث واضح مزلزل- تجاوباً عمومياً لا يتعامل بالتفاصيل، حتى يصبح كل ما تتناوله الصحافة ويطاله النقد "أخطاء فردية"، وصاحبه "مفصول قبل شهر"، أما إذا اقتصر الأمر على الأبواب المغلقة، فيكون التجاوب من خلال التذكير بأن "الحرب الآن مع النظام" وأنه يجب "الكلام عن الإيجابيات".

ربما لا تعوز القارئ مقدمات من السالف ذكرها لكي يصل إلى النتيجة التي نخاف الاعتراف بها، وهي أن صحافتنا المحلية التي تواجه "مؤسسات" تفتقد إلى أدنى أساسيات الإدارة، هي ذاتها (أقصد الصحافة) يعوزها الإدارة لكي تستطيع الانتقال من العموميات والكلام المرسل إلى الدخول في التفاصيل والبحث عن الحقائق والتحقيق بواقع المؤسسات وفهمها والاشتباك معها وفكفكتها وتفنيدها ومساءلتها.

يمكن لإطلاق أحكام من نوع "عدم وجود حرية صحافة" في شمال غربي سورية على الواقع، أن يصبح قاعدة معمول بها، يوافق عليها الصحفيون ويطالب بها القادة العسكريون أو المدنيون أو غيرهم ممن يمسه الأمر. لذلك من غير المسموح أن يستسلم الصحفيون، أو أن يعترفوا بأي تكميم للأفواه ما دامت الكلمة موجودة، أو أن يراوحوا في أماكنهم الآمنة بالحديث عن العموميات والآراء والتلميح، لأن ثمن السكوت عندها سيكون مرآة للأحكام الجاهزة.

لا يمكن لهذا النص أن يعفي الواقع الذي وصلت إليه حالة التضييق على الحريات العامة ومصادرة الحقوق؛ يمكن الحديث في هذا المجال عن التضييق على العمل المدني والنقابي والإعلامي، وصولاً إلى عمليات السلب على الحواجز ومصادرة الممتلكات. لكن الذي يريد أن يشير إليه دور الصحافة في تحصيلها، بينما تحتاج الصحافة في المنطقة ومن خلفها الكلام، إلى البحث عن أدواتها وأساليبها ومنابرها، كما تحتاج باقي الحقوق إلى ذلك، على أن الصحافة هي التي تمهد الطريق وتنتزع حريتها لكي تفسح المجال لباقي الحقوق، بعد أن تستوعب الواقع وتفتح تحقيقاً موسعاً لا ينتهي معه.

على أن طموحاً من هذا النوع لا يمكن له أن يصبح جاداً إن لم يجد بيئته الطبيعية في مجتمع مدني قائم على أفراد متساوين، ويمنحهم المساحة اللازمة لممارسة حرياتهم وحقوقهم. وهذا ما نسعى إليه كمؤسسين ونشطاء في مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في شمال سوريا، عبر إتاحة المنابر للقول الفيصل والتعبير عن الحقوق والحريات ورفع المطالب والمناداة بالاحتياجات والإشارة إلى الباطل دون دون شعورٍ بالرهبة والعزل. في المؤسسات العاملة اليوم، نريد لكل الناس الشعور بالأمن والوصول إلى مكانةٍ كنا قد حلمنا بها معاً في يومٍ ما حين نادينا بالحرية، الحرية الشاملة الكاملة التي لا تتجزأ حسب أهواء المنادين بها.


تنويه: يعبِّر هذا المقال عن رأي كاتبه فقط، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موقع بيتنا.

Previous
Previous

أثر شبكات المجتمع المدني على تحسين واقع المجتمعات المحلية

Next
Next

من شمال سوريا، اتحادات ونقابات لإيصال الصوت ونيل الحقوق