دور منظمات المجتمع المدني في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في مناطق سيطرة القوات غير الحكومية 

ورقة بحثية: الباحث فراس حمدوني

30 أيار، 2023 - يعد المجتمع المدني ركيزة أساسية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان ودعم أسس العدالة الانتقالية، حيث يمثل المجتمع المدني الصوت الذي يعبر عن مصالح الأفراد ويضع المسائل العامة على جدول الأعمال. تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً حاسماً في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها القوات غير الحكومية. حيث تقدم هذه المنظمات المساعدة اللازمة للضحايا والناجين من انتهاكات حقوق الإنسان، وتعمل على توثيق هذه الانتهاكات والضغط على الأطراف المعنية لتحمل المسؤولية وتنفيذ التدابير اللازمة لضمان حماية حقوق الإنسان ولتسليط الضوء على الأعراف والممارسات التي تعمق مفهوم الإفلات من العقاب وتعيق المساءلة. في هذا المقال، سنناقش دور منظمات المجتمع المدني في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها القوات غير الحكومية، وسنقدم أمثلة على الحالات العملية والدروس المستفادة. 

العدالة الانتقالية: 

تنطوي العدالة الانتقالية على جوانب متعددة مثل الحقيقة والعدالة والمساءلة والمصالحة، وتحقيقها يتطلب تعاوناً فعالاً بين السلطات المحلية والمجتمع المدني. في كل مناطق النزاع، ترتكب الأطــراف المتحاربــة انتهــاكاتٍ متواتــرة ومتكــررة وجســيمة للقانــون الدولــي للحقـوق الانسـان، وانتهـاكات متواتـرة ومتكـررة وخطيـرة للقانـون الانسـاني الدولـي، بطـرق تضـر بالمدنييـن. وتؤدي الهجمــات العشــوائية وغيــر المتناســبة إلــى مقتــل وجــرح مدنييــن، وتدميــر منــازل المدنييــن وممتلكاتهـم. كمـا تركبـت الأطـراف المتحاربـة عمليـات قتـل خـارج نطـاق القضـاء واخفـاء قســري، وتستخدم التعذيــب وغيــره مــن أشــكال المعاملــة القاســية واللا إنســانية والمهينــة والعنــف الجنســي والعنــف القائــم علــى النــوع الاجتماعي. 

الإفلات من العقاب: 

هو ممارسة السلطة دون مساءلة، والتي تصبح، في أوضح صورها، ارتكاب جرائم بدون عقاب. في عبارة ما، الإفلات من العقاب هو فكرة أن "القانون للمتعافين"، وهي فكرة يخشى قادة حقوق الإنسان أنها آخذة في الازدياد في المؤسسات السياسية في جميع أنحاء العالم. من السلوك في الصراع إلى الاستغلال الاقتصادي، ومن التدهور البيئي إلى التراجع الديمقراطي، فإن المعركة بين الإفلات من العقاب والمساءلة هي عدسة حاسمة لفهم ما يحدث في العالم. 

بحسب مؤشر أطلس1 الإفلات من العقاب، وهو تقييم كمي لهذا التعريف الشامل للإفلات من العقاب، ويقاس بمؤشرات مستقلة عبر خمسة مواقع في المجتمع. وتشمل هذه الأبعاد الحكم غير الخاضع للمساءلة، وانتهاك حقوق الإنسان، والصراع والعنف، والاستغلال الاقتصادي، والتدهور البيئي. يسجل نظام أطلس ويصنف أعلى مستويات الإفلات من العقاب على مستوى العالم في أفغانستان، سوريا، اليمن، ميانمار، وجمهورية افريقيا الوسطى. يهدف الأطلس إلى توفير أداة عملية يسهل الوصول إليها للفت الانتباه إلى إساءة استخدام السلطة والضغط على صانعي السياسات من أجل التغيير.  

إلى جانب الانتهاكات المباشرة لحقوق الانسان في مناطق النزاعات، يُعتقد على نطاق واسع أن مواقف كثيرة حدثت فيها الانتهاكات كانت نتيجة استدراج طرفاً ما لطرف آخر وتوريطه في انتهاكات لحقوق الإنسان، لتوظيف هذه الانتهاكات لاحقاً واستخدامها لإدانة الطرف الآخر، وفي الحقيقة هذا يعد توظيفاً للإنسان في الصراع وتحويله إلى وسيلة للإيقاع بالخصوم، وهي جريمة ضد الإنسانية لا تقل المسؤولية فيها عمن قام بها. 

وتشمل الانتهاكات التي تُطال حقوق الإنسان في اغلب دول النزاع معظم المجالات الحقوقية تقريباً ابتداءً بحقه في الحياة، وليس انتهاءً بحقه في الحصول على مياه صالحة للشرب، وما بين هذين الحقين تتوزع قائمة طويلة من الانتهاكات التي تطال الناس، البعض منها يصنف كجرائم إبادة جماعية. 

وبما أن الحرب هي السبب الرئيسي التي تؤدي إلى تسجيل أرقام ضخمة للانتهاكات، فإن من الطبيعي القول إن كل يوم جديد يضاف إلى عمر أي حرب وغياب أي بوادر جادة للسلام الحقيقي هو مضاعفة واضافةٌ جديدة للأرقام السابقة للانتهاكات. 

والحروب والنزاعات من حيث كارثية نتائجها المتعلقة بحقوق الإنسان والوضع الإنساني لا تقاس أو تقيم من خلال نتائج المواجهات تلك التي تحدث بين الأطراف المتحاربة وما تخلفه من ضحايا بصفوف قواتهم في الجبهات القتالية، إنما من خلال ما تُلحقه من خسائر في أرواح المدنيين كضحايا من خارج أطراف الصراع، وأضرار في البُنى التحتية والاعيان المدنية والممتلكات الخاصة والعامة، ولا سيما التي تتعلق بالخدمات الإنسانية للمواطنين كالمستشفيات ومرافق الصحة والتعليم، والطرقات والكهرباء والمياه والبيئة، وغيرها من الخدمات. 

حيث أن الانتهاكات غالباً تتم بأساليب مُتعمدة، فما يصاحب الحرب من انتهاكات عن قصد لحقوق الإنسان ومصادرة لحقوقه، سواءً كان هذا الفعل اللاإنساني يتم بمبررات أو بدون، كما أن قائمة الانتهاكات للحقوق التي عادةً ما تصاحب الحرب ترتفع وتتنوع بأنماط واشكال مختلفة، وبوسعنا التذكير ببعضها هنا، والتي يأتي في المقدمة منها: جرائم القتل خارج إطار القانون، والاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي، ومداهمة المنازل وترويع السكان المدنيين بأي شكل من الأشكال، ومصادرة الأموال والممتلكات أو إتلافها وتدميرها، بالإضافة إلى قطع المرتبات وسبل العيش أو التسبب في خسارة الوظائف والأعمال، أو مصادر الكسب والدخل. 

وكذلك الانتهاكات الحقوقية التي تتعلق بالحريات، كحق الإنسان في الانتماء السياسي، أو الفكري، أو النقابي، أو أي شكل من أشكال الانتماء، وأيضاً حق إبداء الرأي والتعبير عن الموقف، أو حق ممارسة الصحافة والإعلام، أو حق تنظيم المظاهرات والفعاليات الثقافية والجماهيرية، أو حق ممارسة العبادات، وكل ما إلى ذلك من حقوق تتعلق بحرية الإنسان في فعل أو قول أو اعتناق ما يريد، إذا لم يتسبب بضرر على المصلحة العامة التي يحددها القانون وليس المزاج الشخصي، وتأتي الحرب لتمنح المتصارعين فرصة لمصادرتها أو التضييق عليها. 

 

دور منظمات المجتمع المدني في تعزيز وحماية حقوق الإنسان  

زيادة الوعي والاعتراف بحقوق الإنسان 

يمكن لمنظمات المجتمع المدني زيادة الوعي بحقوق الإنسان والمعايير الدولية للسلوك في المناطق التي تسيطر عليها القوات غير الحكومية. يمكنهم القيام بذلك من خلال توفير برامج تدريبية للأفراد وأصحاب المصلحة المعنيين، بما في ذلك القادة المحليون والشباب والنساء وصناع القرار، ومن خلال إنشاء منتديات وورشات عمل لمناقشة قضايا حقوق الإنسان. على سبيل المثال، تحالف من المنظمات النسوية السورية (بدائل، دولتي، شبكة الصحفيات السوريات، ومنظمة النساء الآن من أجل التنمية) قام بتنفيذ حملة تهدف إلى دعم الناجيات والناجين من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تم ارتكابه على مدى سنوات النزاع السوري للوصول إلى العدالة. في العراق، أطلقت منظمة "الحرية" مبادرة "قيم حقوق الإنسان" لتعزيز الوعي بحقوق الإنسان والمعايير الدولية للسلوك في مناطق الحرب التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة. وبالتعاون مع منظمات أخرى، نظمت المبادرة دورات تدريبية وورش عمل للمجتمع المحلي لنشر الوعي والمعرفة بحقوق الإنسان. 

 

دعم قدرة المجتمعات المحلية على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها 

يمكن لمنظمات المجتمع المدني دعم قدرة المجتمعات المحلية على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها. يمكنهم القيام بذلك عن طريق بناء شبكات محلية وتمكين النشطاء على مستوى القاعدة من رصد انتهاكات حقوق الإنسان والإبلاغ عنها، ومن خلال دعم تطوير المبادرات المحلية التي تعالج مخاوف حقوق الإنسان. على سبيل المثال، يعمل البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) من خلال وحدة الدعم في القانون الدولي على تزويد منظمات المجتمع المدني السورية، بما في ذلك منظمات الضحايا والمنظمات التي تقودها نساء، بقدرة على الاكتفاء الذاتي في مجال القانون الدولي لكي تواصل جهودها وتنجز مهمتها في مكافحة الإفلات من العقاب. في كولومبيا، تعمل منظمة تييرا ديجنا "Tierra Digna" مع مجتمعات الكولومبيين المنحدرين من أصل أفريقي والسكان الأصليين لبناء قدرتها على رصد انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الجماعات المسلحة غير الشرعية والشركات المتعددة الجنسيات والإبلاغ عنها. من خلال جهود التدريب والمناصرة، تدعم تييرا ديجنا تطوير المبادرات المحلية التي تعالج مخاوف حقوق الإنسان. 

 

تقديم الدعم والحماية الأساسيين للفئات المستضعفة 

يمكن لمنظمات المجتمع المدني تقديم الدعم والحماية الأساسيين للفئات المستضعفة من السكان. ويشمل ذلك ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمعات المهمشة. يمكن لمنظمات المجتمع المدني تقديم الدعم القانوني والنفسي والخدمات الأخرى للمحتاجين. على سبيل المثال، في سوريا، تقدم "شبكة النساء السوريات" الدعم والحماية للنساء ضحايا العنف الجنسي، وتدافع عن حقوقهن على المستويات المحلية والوطنية والدولية. توفر الشبكة أيضًا المساعدة القانونية والدعم النفسي والرعاية الطبية للناجيات من العنف الجنسي. 

 

دعم أسس المساءلة والعدالة الانتقالية 

يمكن القول إن دور منظمات المجتمع المدني في موضوع المساءلة والعدالة الانتقالية في مناطق سيطرة القوات غير الحكومية لا يقل أهمية عن دور الحكومات والمؤسسات الدولية. فهي تساهم في إرساء قواعد المصالحة والعدالة وبناء المجتمعات القوية والمستدامة. لذا، يجب تعزيز التعاون بين المنظمات المدنية والسلطات المحلية وتقديم الدعم المالي والقانوني لتمكينها من أداء دورها بفعالية في مجال العدالة الانتقالية. 

يمكن لمنظمات المجتمع المدني تسهيل عمليات العدالة الانتقالية في المناطق التي تسيطر عليها القوات غير الحكومية. يمكنهم القيام بذلك من خلال تعزيز آليات البحث عن الحقيقة والمساءلة، ودعم مشاركة الضحايا في عمليات العدالة الانتقالية، والدعوة إلى الاعتراف بحقوق الضحايا. على سبيل المثال، يسعى البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) لإيجاد آليات تجارية ومالية ذات صلة لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات الحقوقية المتعلقة بالشركات في سوريا، بالإضافة إلى العمل على تحسين العناية الواجبة المتعلقة بحقوق الإنسان لدى الفاعلين الإنسانيين في سوريا. في أوغندا، تعمل "شبكة مقدمي خدمات المساعدة القانونية" مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها جيش الرب للمقاومة (LRA) لتعزيز مشاركتهم في عمليات العدالة الانتقالية. توفر الشبكة المساعدة القانونية والدعم النفسي والاجتماعي والتثقيف حول آليات العدالة الانتقالية للضحايا، وتدافع عن حقوقهم على المستويين الوطني والدولي. 

بموجــب القانــون الدولــي، عندمــا يحــدث خطــأ دولــي، يكـون جبـر الضـرر واجبـاً. فجبــر الضــرر يعتبــر شــكل مــن أشــكال العدالــة.  فقبـل قـرن مـن الزمـان، كان ينظـر إلـى حقـوق والتزامـات الجبــر علــى أنهــا تنطبــق علــى العلاقــات بيــن الــدول. واليـوم، هنـاك اعتـراف متزايـد بـأن ضحايـا انتهـاكات القانـون الانســاني الدولــي والقانــون الدولــي لحقــوق الانســان مــن الافــراد، لهــم الحــق فــي الحصــول علــى جبــر عــن الأضرار التــي لحقــت بهــم. 

إن الالتـزام بتقديـم جبـر ضـرر لا يحـل محـل أو ينفـي جوانـب أخـرى مـن التزامـات الـدول بضمـان المسـاءلة عـن الانتهـاكات الجسـيمة للقانـون الدولـي، بمـا فـي ذلـك الالتزامـات بالتحقيـق فـي الانتهـاكات المزعومـة للقانـون الإنساني الدولـي والقانـون الدولـي لحقـوق الانسـان، ومحاكمـة الجنـاة المزعوميـن لجرائـم الحـرب. ولا يخضــع التــزام الملاحقــة القضائيــة للتفــاوض أو التنــازل. فالعفــو عــن جرائــم الحــرب، علــى ســبيل المثــال، محظـور. وفـي بعـض الحـالات، قـد تكـون الجـزاءات القضائيـة والاداريـة المفروضة على مرتكبي الانتهاكات المزعومين، عنصرا مهما من عناصر جبر الضرر. 

علاوةً على ذلك، تعزز منظمات المجتمع المدني التعاون والحوار بين الأطراف المتنازعة في مناطق سيطرة القوات غير الحكومية. فهي تعمل على تسهيل جلسات المصالحة والحوار بين الضحايا والمتهمين والجماعات المتنازعة. ومن خلال تشجيع التعاون والحوار، يمكن تحقيق التفاهم وبناء الثقة والتوصل إلى حلول مقبولة للجميع. 

 

الدعوة لتغيير السياسات التي تعزز حقوق الإنسان وتحمل القوات غير الحكومية المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان  

يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تلعب دوراً حيوياً في الدعوة لتغيير السياسات التي تعزز حقوق الإنسان وتحمل القوات غير الحكومية المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان. يمكنهم القيام بذلك من خلال الانخراط في حملات المناصرة، والضغط على صناع السياسات، وتعزيز الحوار بين أصحاب المصلحة المعنيين. على سبيل المثال، في ميانمار، تعمل منظمة "شراكة بورما" على زيادة الوعي بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها جهات فاعلة غير حكومية، وتدعو إلى إجراء تغييرات في السياسات لمحاسبة هؤلاء الفاعلين. كما تعزز المنظمة الحوار بين منظمات المجتمع المدني والمجتمعات العرقية وصناع السياسات لمعالجة مخاوف حقوق الإنسان. 

 

بينما تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً حيوياً في حماية حقوق الانسان وتعزيز العدالة الانتقالية والنهوض بها، من المهم الاعتراف بأن هناك أيضاً بعض الجوانب السلبية المرتبطة بمشاركتها. تسلط هذه الجوانب السلبية الضوء على التحديات والقيود التي قد تواجهها منظمات المجتمع المدني في سعيها لتحقيق أهداف العدالة الانتقالية. من الضروري النظر في هذه الجوانب لضمان فهم شامل للموضوع. 

  1. التجزئة والمنافسة 

يمكن أن يؤدي انتشار منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان والعدالة إلى التجزئة والتنافس على الموارد. يمكن أن يؤدي هذا إلى ازدواجية الجهود، وعدم الكفاءة، ونقص التنسيق بين المنظمات المختلفة، بالإضافة لاختلافات في الآراء في تفسير المناطق الرمادية. قد يؤدي التنافس على التمويل والاعتراف إلى صرف الانتباه عن الهدف الأكبر المتمثل في تحقيق العدالة وحقوق الإنسان. 

 

  1. رفع سقف توقعات الناجين والضحايا أو ذويهم من قبل منظمات حقوق الإنسان 

تحدث المبالغة في الوعود ورفع سقف توقعات ذوي الضحايا من قبل منظمات حقوق الإنسان في بعض الحالات، وهذا يمكن أن يكون ضارًا على العديد من الأصعدة. إليك بعض الأمثلة عن هذه الممارسات: 

تعهدات بتحقيق العدالة الفورية: في بعض الأحيان، تقدم منظمات حقوق الإنسان تعهدات مفرطة بتحقيق العدالة الفورية للضحايا. قد يتم تضخيم قدرة المنظمة على تنفيذ التحقيقات الجنائية وتقديم المسؤولين إلى العدالة في فترة زمنية قصيرة للغاية، مما يخلق توقعات غير واقعية للضحايا وأسرهم. وعندما لا يتم تحقيق هذه التوقعات، يمكن أن يؤدي ذلك إلى خيبة أمل واحباط لدى الضحايا. 

وعود بتعويضات مالية غير واقعية: قد تعطي منظمات حقوق الإنسان وعودًا بتقديم تعويضات مالية للضحايا تفوق قدرتها الفعلية على تحقيق ذلك. يمكن أن تكون هذه التعويضات بمثابة تعويضات رمزية فقط أو تكون مبالغ غير قادرة على تلبية الاحتياجات الحقيقية للضحايا. هذا قد يؤدي إلى استياء وغضب من قبل ذوي الضحايا الذين يشعرون بأنهم تم تجاوزهم وتضليلهم. 

توقعات غير واقعية بشأن تحقيق التغيير السريع: في بعض الأحيان، تروج منظمات حقوق الإنسان لفكرة أن تحقيق التغيير الإيجابي في حقوق الإنسان يمكن أن يحدث في وقت قصير جدًا. قد يتم تضخيم القدرة على تغيير السياسات والممارسات القائمة بسرعة وفعالية، مما يخلق توقعات غير واقعية لدى الضحايا والجمهور بشأن التقدم السريع في مجال حقوق الإنسان. 

يجب أن يكون لدى منظمات حقوق الإنسان وعيٌ بالتأثير النفسي والاجتماعي للوعود المفرطة ورفع سقف التوقعات. كما يجب أن تسعى هذه المنظمات لتقديم توقعات واقعية وتعهدات قابلة للتنفيذ، وأن تبذل جهوداً حثيثة لتقديم الدعم والمساعدة العملية للضحايا وذويهم في جميع مراحل العدالة الانتقالية. 

الافتقار إلى التمثيل 

قد لا تمثل منظمات المجتمع المدني دائماً تنوع الأصوات ووجهات النظر داخل المجتمع. كذلك قد تهيمن عليها مجموعات مصالح أو نخب معينة، مما يؤدي إلى تمثيل محدود للمجتمعات المهمشة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى جداول أعمال متحيزة واستبعاد بعض أصحاب المصلحة من عمليات صنع القرار. 

 

الافتقار إلى المساءلة 

غالبًا ما تعمل منظمات المجتمع المدني خارج هياكل الحوكمة الرسمية وقد تفتقر إلى نفس مستوى المساءلة والشفافية مثل المؤسسات الحكومية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحديات في مراقبة أنشطتهم والتأكد من التزامهم بالمعايير الأخلاقية. قد تستغل بعض المنظمات سلطتها أو تنخرط في ممارسات فاسدة، مما يقوض مصداقية القطاع ككل. بينما تهدف منظمات المجتمع المدني إلى معالجة اختلال توازن القوى في المجتمع، فإنها يمكن أن تساهم في بعض الأحيان في الاختلالات نفسها. قد تهيمن المنظمات المؤثرة وذات التمويل الجيد على الخطاب، وتهمش المنظمات القاعدية الأصغر والأفراد الذين يفتقرون إلى الموارد والعلاقات. وهذا يمكن أن يديم ديناميات القوة غير المتكافئة داخل المجتمع المدني ويحد من مشاركة أولئك الأكثر تضررا من انتهاكات حقوق الإنسان. 

 

التحيز والتلاعب السياسييَن 

يمكن أن تخضع منظمات المجتمع المدني، مثل أي كيان آخر، للتحيز والتلاعب السياسيين. وقد تنحاز إلى أيديولوجيات سياسية محددة، أو قد تتأثر بأطراف خارجية ذات مصالح خاصة. وهذا يمكن أن يضر بحياد وموضوعية عملهم، ويقوض فعاليتهم في تعزيز حقوق الإنسان والعدالة، وبالطبع يحب مراعاة الجانب الأمني بخصوص تنفيذ برامج حساسة. 

 

قضايا غائبة عن الرصد والتوثيق 

على الرغم من وجود سجل حقوقي متخم بالانتهاكات الحقوقية في كل مناطق النزاع في العالم إلا أن قضايا كثيرة جداً تبقى بعيدة عن متناول نشاط المنظمات الحقوقية، وهذا يرجع لأسباب عدة يمكننا بموجبها تصنيف هذه القضايا الغائبة عن الرصد والتوثيق على النحو التالي: 

النوع الأول: قضايا لا يعرف أصحابها شيء عن مفهوم حقوق الإنسان، ولا تصل إليهم المنظمات نتيجة عدم وجود راصدين ميدانيين في مناطق إقامتهم وكذلك عدم خروج قضاياهم إلى وسائل الإعلام، وتظل الانتهاكات التي يتعرضون مظالم غائبة لا يعرف عنها أحد. 

 النوع الثاني: القضايا التي يتعرض أصحابها للانتهاك ويفضل أصحابها عدم الإبلاغ عنها، والقبول بتسوية مع من قام بالانتهاك بحقهم - تكون في أغلب الحالات غير عادلة - أو نتيجة الخوف من الانتقام إذا قام الضحية بالإبلاغ عما تعرض له من انتهاك وعرف المنتهكون بذلك. 

النوع الثالث: الجرائم التي تتعلق بالشرف والسمعة، وبالتحديد في قضايا الاغتصاب، وفي هذا النوع تكون النساء والأطفال هم ضحايا هذه الانتهاكات، وفي بعض الأحيان تكون الضحية قد تعرضت للانتهاك مرتين على الأقل، الأولى عند الاغتصاب، والثانية من الأهل عند معرفتهم للقضية، وإن لم تتحول الضحية إلى مُدانة في نظرهم، وتتعرض لصنوف من الاعتداء والضرب، وربما القتل، قد يتعاملوا مع القضية بطريقة لا تنصف الضحية، ولا تحقق العدالة التي تكفل ردع الجاني، وهذا يندرج في إطار التستر على الجريمة، بسبب عدم الإبلاغ عنها وهو ما يعتبر جريمة إضافية وتواطئا مع المنتهكين تكون نتيجته التفريط في حق الضحية من العدالة والإنصاف. 

 

مؤثرات على عمل منظمات حقوق الإنسان 

يخضع العمل في مجال الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان لعدد من العوامل التي تؤثر بشكل سلبي أو إيجابي على نشاطه سواءً من حيث الاهتمام والأولوية أو من حيث الآليات التي يتم العمل عليها، من أهم هذه المؤثرات ما يلي: 

اهتمام المؤسسة الحقوقية نفسها، ونوع الانتهاكات والقضايا الحقوقية التي تستحق وفق تقديرهم وضعها كأولوية على سلم اهتمامات المؤسسة. 

ارتباط المؤسسة بأي من أطراف الصراع وما يترتب على هذا الارتباط من ضعف لدى القائمين عليها، وعدم قدرتهم على العمل بصورة محايدة، والالتزام بمعايير المهنية، وضوابط العمل الحقوقي. 

عدم الالتزام بالمعايير العالمية في رصد الانتهاكات وكذلك عند إعداد التقارير الحقوقية. 

ضعف الوعي القانوني لدى بعض الكوادر الناشطة في المجال الحقوقي، وعدم معرفتهم بكل القضايا التي تصنف كانتهاكات. 

عدم تحقيق النشاط الحقوقي للأثر المنشود، الأمر الذي لا يحفز المجتمع بما فيهم أصحاب القضايا أنفسهم على التعاون مع المنظمات والراصدين. 

 

توصيات 

تعزيز الشمولية والتمثيل: ضمان تمثيل أصوات الفئات المهمشة والضعيفة داخل المنظمة وفي عمليات صنع القرار. السعي بنشاط إلى الانخراط مع المجتمعات المتنوعة وإشراكها في تصميم وتنفيذ البرامج المتعلقة بحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية. 

التركيز على العدالة والمساءلة في كل جهود المفاوضات وعمليات بناء السلام، لتساهم في بناء السلام المستدام والاستقرار الاجتماعي. 

دمــج مســألة الحــق فــي جبــر الضــرر للمدنييــن والتزامــات الاطــراف المتحاربــة بتقديــم جبــر الضــرر فــي التقاريــر والمناصــرة. 

تعزيز الشراكات والتنسيق: التعاون مع منظمات المجتمع المدني الأخرى، محليًا ودولياً، لتجنب ازدواجية الجهود وتعظيم الأثر. إنشاء شبكات ومنصات لتبادل المعرفة والموارد وأفضل الممارسات. تنسيق حملات المناصرة والمبادرات المشتركة لتضخيم الصوت الجماعي والتأثير. 

تعزيز الشفافية والمساءلة: الحفاظ على معايير عالية من الشفافية والمساءلة داخل المنظمة. نشر تقارير دورية عن الأنشطة ومصادر التمويل والنفقات. تنفيذ آليات داخلية للرقابة والتقييم. تأكد من أن الممارسات التنظيمية تتماشى مع المبادئ التوجيهية الأخلاقية والالتزام بالمتطلبات القانونية. 

بناء القدرات والمعرفة: الاستثمار في برامج التدريب وبناء القدرات للموظفين والمتطوعين. تطوير الخبرة في مجالات مثل قانون حقوق الإنسان، وآليات العدالة الانتقالية، وحل النزاعات، والمناصرة. ابق على اطلاع على التطورات العالمية والقضايا الناشئة في هذا المجال لتكييف الاستراتيجيات والتدخلات وفقًا لذلك. 

تمكين المجتمعات المحلية: تمكين ودعم المنظمات الشعبية وقادة المجتمع العاملين في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية على المستوى المحلي. التعرف على أهمية المعرفة والخبرات والمبادرات المحلية. تقديم المساعدة الفنية والتمويل والإرشاد للمساعدة في تعزيز قدراتهم وتضخيم تأثيرهم. 

تعزيز الوعي العام والتعليم: القيام بحملات توعية عامة لتثقيف عامة الناس حول حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وأهمية المصالحة المجتمعية. الاستفادة من قنوات الاتصال المختلفة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية والمشاركة المجتمعية للوصول إلى جمهور عريض. تعزيز ثقافة احترام حقوق الإنسان من خلال المبادرات التعليمية في المدارس والجامعات. 

إنشاء تحالف حقوقي واسع من الناشطين والمحامين والقضاة والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان يهدف إلى تشكيل موقف أخلاقي من الانتهاكات التي تحصل والضغط على جميع الأطراف لوضع حد لهذه الانتهاكات ومحاسبة ومعاقبة المسؤولين عليها. 

إنشاء نظام رصد آلي موحد تابع للأمم المتحدة، ويكون متاح للجميع للإبلاغ أولاً بأول عن حالات الانتهاكات التي تحصل لحقوق الإنسان، وبدورها تقوم مفوضية حقوق الأنسان بالتحري من صحة البلاغات وجمع المعلومات عن الحادثة وتوثيقها. 

تنظيم حملات توعية تهدف لرفع مستوى الوعي الحقوقي والقانوني على أن تتم على مستويين: 

المستوى الأول: للتوعية بالحقوق الإنسانية كاملة وهذا يستهدف به المواطنون بمختلف انتماءاتهم وفئاتهم، على أن يتم التركيز على المناطق والفئات الأشد ضعفاً والأكثر عرضة للانتهاكات، وتعريفهم بحقهم في الإبلاغ عن الانتهاكات التي يتعرضون والآليات والوسائل التي يستطيعون الوصول من خلالها إلى الجهات الحقوقية المختصة. 

المستوى الثاني: للتوعية بمخاطر الانتهاكات وما يترتب عليها من عقوبات، وفي هذا المستوى يستهدف الأطراف التي تتحكم بالأمور على الارض وتشكل سلطات في مناطق نفوذها، ويركز فيه على الجهات التي يعتقد أنها أكثر جرأة على القيام بالانتهاكات، وفي هذا المستوى يتم التركيز في التوعية على تعريفهم بالأعمال التي يقومون بها أو من الممكن أن يقوموا بها وتصنف كانتهاكات لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تعريفهم بالمخاطر والعقوبات القانونية التي تترتب على قيامهم بمثل هذه الانتهاكات، وأنهم سيكونون عرضة للمساءلة والملاحقة وهذا ما سيشكل لهم عائقاً حقيقياً في حياتهم بإمكانهم تجنب الوقوع فيها من خلال التوقف عن القيام بأي يعمل يستهدف حقوق الإنسان. 


خاتمة 

 تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً حاسماً في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها القوات غير الحكومية. تعمل هذه المنظمات من خلال عملها على زيادة الوعي بحقوق الإنسان، وتعزيز قدرة المجتمعات المحلية على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، وتوفير الدعم الأساسي والحماية للسكان الضعفاء، والدعوة لتغيير السياسات. كما أنه لا يمكن إغفال دور المنظمات في مراقبة عملية العدالة الانتقالية وضمان شفافيتها ومحاكمة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم. فهي تقوم بمتابعة الإجراءات القانونية وتوفير الدعم للضحايا خلال العمليات القضائية. كما تطالب بتحقيقات مستقلة ومحاكمات عادلة وتوزيع العدالة بطريقة غير تمييزية. من المهم ملاحظة أنه على الرغم من بعض نقاط التحسين المذكورة في هذه الورقة، إلا أن تلك السلبيات ليست متأصلة في جميع منظمات المجتمع المدني. تواجه العديد من المنظمات بنشاط هذه التحديات وتسعى جاهدة لدعم المعايير الأخلاقية والشمولية والشفافية في عملها. 

وأتمنى أن يتم العمل ما ورد في هذه الورقة، وأن يثرى العمل بالنقاش والإضافات التي تعود بالنفع على العمل وتحمي حقوق الإنسان وتحميه من أي انتهاك. 

تنويه: يعبِّر هذا المقال عن رأي كاتبه فقط، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موقع بيتنا.

Previous
Previous

لمزيدٍ من الأمن والسلامة داخل سوريا للعاملين والعاملات في المنظمات المحلية

Next
Next

أثر شبكات المجتمع المدني على تحسين واقع المجتمعات المحلية