التطوعُ مكافأة المكافآت في تغيير حياتنا نحو الأفضل!

مدونة ضيف بقلم المتطوعة ومنسقة بيتنا سابقاً، مُزنة الزهوري

12 كانون الأول، 2022 - انتشرنا نحن السوريون في كلّ مكان، ورغم وجود التكنولوجيا التي تصلنا لحظياً ببعضنا، إلاّ أنّها تقتصر بشكل أكبر على الصلة العائلية أكثر من تفعيلها لربط وتشبيك أنشطتنا وأدوارها لسدّ الفجوات التي نحتاجها كشباب ومبادرات في بلدان اللجوء وداخل سوريا.

أؤمن بأنّ قوّة التغيير تبدأ من الأسفل للأعلى وليس العكس، بضعفنا وهشاشتنا وإرادتنا نستطيع قلب الموازيين. ربّما استطعتُ والكثيرون مثلي، تحويل كارثة اللجوء -التي تحتجّ البلدان المستضيفة من معاناتها منها- إلى اللجوء الإيجابي، باحثين عن استثماره. وما زلنا نحاول الوصول لمصادر تمكّن استمراريتنا والحفاظ على استقلاليتنا وتنفيذ رؤانا وأهدافنا.

لا تكمن المواطنة الفاعلة في سرّ حصولنا على صفة "المواطن" ولسنا "لاجئين" وحسب، بل يمكن أن نكون لاجئين فاعلين. فمثلاً، يحفز العمل التطوعي تحقيق مبادئ المواطنة وقيمها مثل التشاركية والمسؤولية وتعزيز التضامن بين الأفراد فيما بينهم ومع المجتمع المحيط، كما ويبني الفرد المتطوع من خلال عمله هويّة مبتكرة حقيقية له، يلوّنها كيفما يشاء. ولأنّني أرى أنّ التطوع يُكافئنا إذ نهب وقتنا وجهدنا لمساعدة غيرنا، يُكافئنا بطريقة غير مباشرة أو بعد مضي الأوقات ونسياننا لما فعلناه. سعيت للمحافظة على مساحة التطوع الخاصة بي؛ رغم تطوّر أعمالي وتنقلي بين مؤسسات ومهام وظيفية مختلفة.

كنت ولا زلت محظوظة بالعوائل اللاجئة في المنازل والمخيمات التي تحفظُ اسمي وملامح وجهي بمختلف المناطق اللبنانية. أشعر بالطمأنينة عندما أزورهم في كلّ مرة، وترحابهم يزيد، ودعوتهم لي في حال الغياب مطولاً. أبتسم حينما يستوقفونني في الطريق. واجهت مخاطر عدّة حتى حظيت بهذه المكانة المحببة إلى قلبي. فيما تكرر على مسمعي من المحيط "أنّني أهدر وقتي في المستحيل المُسمّى "تطوّع"، وأنّه ينبغي عليَّ التركيز على الدراسة وفرص العمل المأجورة والتفكير بشريك حياتي تنميطاً لأدوارنا الجندرية. فكلّ ما أقوم به لا ينفع!

لم أتجاهل هذا الضغط الاجتماعي؛ بل حوّلته في كل مرّة لدافع وإصرار لتحقيق ما أؤمن به، وليكن نجاحاً يواجه الضغط بحدّ ذاته.

 في عام 2016، أسست مع أصدقائي رابطة الطلاب الجامعيين في لبنان، بعد حصولنا على منح دراسية رغم انقطاعنا لسنوات. وجدنا أهميّة لبذل جهد مكثّف في مساعدة فئة الشباب لتخطيّ الصعوبات التي واجهتنا للتسجيل في المنح الدراسية والتدريبات والعثور على فرص العمل والتعليم سواء في لبنان أو عن بعد. هم صورة عنّا والعكس، ولابدّ أن نساعدهم بالوصول، لننهض معاً.

عادةً، ما تحتار هذه الفئة في مقتبل العمر بسعيها وتوترها للحصول على الشهادة الجامعية ومن ثمّ فرص عمل وعروض سفر مغرية. لكنّني وجدتُ طريقة مختلفة تماماً في تجربتي على مدى العشر سنوات الأساسية لبناء حياتي ومستقبلي؛ بعدما اجتزت ظروف غير طبيعية كحال آلاف الشابات والشباب السوريين.

أشعر بالفرح عندما أكتب رسائل التوصية من رابطة الطلاب الجامعيين للطلبة الزملاء المشاركين بأنشطتنا، لإبراز ساعات تطوعهم معنا، عند تقديمهم لاستكمال الدراسة في الخارج. تتنوع هذه الأنشطة بين ترميم دور الأيتام أو مساعدة الطلاب في التقديم على منح جامعية وتعريفهم بها، بالإضافة لمساعدة المنظمات واللاجئين بآن واحد في المطابخ الخيرية الرمضانية، وأثناء العواصف التي أغرقت المخيمات خلال الشتاءات القاسية الماضية وغيرها. أنشطة لا متناهية شاركوا معنا بها، قدتُها وفريقي إيماناً بأهميتها وأهميّة كسر الصورة النمطية عن اللاجئين السوريين، بالإضافة لتحقيق الاندماج والسلام المجتمعي مع الشباب اللبنانيين.

أذكر بعد انفجار بيروت 2020، تسارعنا للوصول إلى مكان التفجير والمساعدة بفريق بشري شبابي على الأرض يدعم المنظمات الممولة، قطعنا حينها المسافات البعيدة من خارج بيروت لمساعدة أهلها، دون ملل ننطلق مع كلّ صباح.

تحت قبّة كلّ حملة تطوعية يتدافع عشرات الشباب والفتيات للانخراط معنا عندما نعلن عن نشاط جديد. في كلّ مرة لا يقلّ عددنا على الستين شخصاً. قوّة بشرية كاملة بأدمغتها ودوافعها وحوافزها ورغبتها في الإنجاز، هذا وحده مدعاة للفخر والمزيد من الأعمال التطوعية ودعم المبادرات الناشئة المشابهة لتكرار التجارب.

إنّ أبرز النقاط التي نعتمدها ضمن الحملات التطوعية هي: المساواة، الاحترام والتقدير، توزيع المهام، إشراك الجميع في التخطيط والتنفيذ، التعامل بمرونة ومسؤولية تامة، توفير ظروف آمنة ومناسبة لمن يتطوع ضمن الفريق، التنسيق بمستوى عال، والتركيز على الهدف.

في العام الماضي عملتُ كمنسقة لبرنامج بيتنا آوتلاين مع منظمة بيتنا في لبنان، دربنا من خلاله ما يزيد عن 120 شابّ وشابّة في مختلف المناطق، نتج عنها 14 مبادرة شبابية تسعى لنشر ثقافة العمل التطوعي وإدارة حملات المناصرة وتمكين النساء والفتيات والشباب وتفعيل دورهن ودورهم القيادي في المجتمع.

أعتبر هذه التجربة غنيّة جداً ومكمّلة لمسيرتي العملية؛ كونها تلبّي احتياجات الشباب بمختلف الفرص التي ينتظرونها سواء لنهل المعرفة من خلال التدريبات والدورات التي تنمي مهاراتهم الاجتماعية والرقمية والقيادية والفنيّة والثقافية، أو بالتعليم الأكاديمي.

تحتاج المبادرات الشبابية والفرق المجتمعية الناشئة للدعم، خاصّةً في طور التأسيس، فهي أقرب لحاجة المجتمع مباشرة، وتنشأ تلبيةً لمتطلباته. في الآونة الأخيرة، ظهر في مجتمعات اللاجئين السوريين في لبنان وجوهاً للتمكين على قيادة اللاجئين والحوكمة، ولكن لا يسدّ نسبة بسيطة من العطش للمعرفة والأدوات للحصول على الدعم في التنفيذ والتطوير.

أعتبر انّ الحمل المُلقى على عاتقنا ثقيل في ظلّ الضغط المضاعف الذي نعيشه للتأقلم في بلدان اللجوء والتفكير بمستقبل سوريا والوضع الراهن فيها، معاً. فنحن نعيشُ دوامة لانهائية، بين ارتباطنا بسوريا في حالة اللجوء والمنفى وتحقيق أهدافنا، وبين الحصول على أوراق ثبوتية وشهادات رسمية، في بلدان تمنعنا من حقّ العمل أو التأسيس والترخيص لشركات ناشئة أو جمعيات إنسانية. كلّها صعوبات وعراقيل تحدّ من قدراتنا وتهدر سنين شبابنا.

ولكن، هل ينبغي الاستسلام لكلّ هذا؟! بالتأكيد لا. نرفض اليأس رغم الضغط النفسي والاجتماعي والتوتر الملازم من الإخفاقات والخوف البديهي من الفشل وعدم الوصول أو التشكيك بمقدراتنا.

كما نحتاج للعمل التطوعي، ليس لتضميد جراحنا، أو للحصول على فرصة عمل ومنحة دراسية ولزيادة شبكة علاقتنا وحسب، بل نحتاجه ليكون قوّتنا في تمثيل مجتمعاتنا وقضايانا في المحافل والمؤتمرات الدولية والدفاع عنها.



تنويه: يعبِّر هذا المقال عن رأي كاتبته فقط، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موقع بيتنا.

Previous
Previous

بيتنا أونلاين، العلم للجميع في كل مكان

Next
Next

في بيتنا، كل يوم هو يوم لحقوق الإنسان