المجتمع المدني السوري – القادة الشباب
مدونة ضيف بقلم محمد نور حسين
1 شباط، 2023 - منذ اندلاع الثورة السورية في آذار 2011 كان الشباب في الصفوف الأولى لقيادة الثورة بدءاً من تنسيق المظاهرات والمشاركة فيها في مرحلة السلمية من النضال السوري، وبعد التحول للمسار العسكري كان لهم الدور الأكبر في قيادة العمليات العسكرية، وأما على مستوى الشباب المُهجرين على مستوى دول العالم كان للشباب السوريين بصمتهم الخاصة في العديد من الدول على مستوى التفوق الأكاديمي على أقرانهم من أبناء تلك الدول.
وفي سياق العمل والحراك المدني في داخل سوريا وخارجها فقد كان للشباب السوريين كلمتهم في تلك الأعمال، وكانت إحدى أولى التجارب في محافظة الرقة السورية التي كانت أول المحافظات المحررة من سيطرة نظام الأسد والتي قاد فيها الشباب عدداً من المبادرات الشبابية لإعادة تأهيل المدينة وتنظيفها من مخلفات المعارك فيها.
على مدار سنوات الثورة الاثنتي عشر كان للشباب أثرهم الواضح في الحراك السوري وعلى كافة الأصعدة، ولكن الصورة النمطية المتعلقة بالشباب من قبل المجتمع نفسه بالدور الأول والعدوى المنتقلة لبعض الهيئات المدنية أدت إلى حصر دور عدد كبير من الشباب ضمن الحراك الطلابي الجامعي فقط ويجرد الخريج من هذا الدور أيضاً ليتم تنميطه فيما بعد ليكون ضمن أهداف وسياسات تخالف طبيعته.
عبر تجارب عديدة عايشتها مع بعض الحركات الشبابية والفرق التطوعية والتنقل بينها على مدار خمس سنوات، فإن دور الشباب أكبر بكثير من أن يتم حصره بحراك طلابي فقط، قدرات الشباب السوريين كبيرة وقادرة على ترك أثر كبير في المجتمع إن اتيحت لهم الفرصة المناسبة والإمكانيات اللازمة لإثبات أنفسهم، و في أخر مشروع عمل عليه فريق إيڤا التطوعي وبدعم من منظمة بيتنا تم إجراء عدد من المقابلات واللقاءات مع فرق شبابية في كل من سوريا ولبنان وتركيا والاطلاع على أعمال أولئك الشباب في المنطقة، فإنه ورغم كل تلك المعوقات والصعوبات التي يعيشها الشباب فإنهم استطاعوا نقل مفهوم العمل والتطوع إلى مراحل جديدة.
الفضاء الداعم للعمل الشبابي: (تجربة شخصية)
في عام 2018 خُضت أول تجربة ضمن نطاق المجتمع المدني وذلك بعد الانتقال من حياة العمل ضمن المصانع والتي كانت الحافز الأول للعمل، فبعد معاينة الوضع فيها ومعايشة عمالة الأطفال التي كانت أسوأ تجاربهم على الاطلاق، هناك حيث يتواجد البالغين والراشدين مع أولئك الأطفال في نفس مساحة العمل، يمكن أن ترى فيها تعاطي الممنوعات والترويج لها أمام الأطفال، بعد تلك الأشهر وعند أول فرصة للعود للدراسة، بدأت البحث للوصول لطريقة للحد من تلك الظاهرة، التي ظننت أنني قادر على حلها خلال أشهر قليلة، ومنها كانت بداية التنقل بين المنظمات والفرق التطوعية إلى حين قدوم الفرصة المناسبة في الرابع من تموز 2019 التي قررت بعدها تأسيس فريق إيڤا التطوعي والذي بدء من خلال مبادرة رمضانية تطورت اليوم لتكون بذرة شبابية معنية بقضايا الشباب والتي تسعى لتكون من رواد العمل الشبابي المدني الغير الطلابي.
ومع مطلع 2020، كانت التجربة الأولى لتطوير المبادرة لفريق يملك الهوية والرسالة والرؤية التي يعمل من أجلها، حيث كانت التجربة مع منظمة بيتنا وبعد 6 أشهر تدريبية ساهمت بنقل الفريق الى المنعطف الرئيسي الأول في مسيرته، وعلى الصعيد الشخصي في هذه التجربة التي ساهمت ببناء شخصية مختلفة مني ودفعي للعمل ضمن مجال التيسير والتدريب وبدء العمل الشبابي مع القادة الشباب وتطوير العمل ليأخذ السمة المؤسساتية.
إن المساحات التي تعمل منظمات المجتمع المدني على توفيرها وتنفيذ عدد من الجلسات الحوارية والتدريبية تساهم بشكل فاعل بتطوير مهارات الأفراد وبناء العلاقات وتطوير رأس المال المجتمعي، وهذا ما حدث مع نهاية 2021 والتي كانت فرصة جيدة للتعرف على عدد من الأصدقاء العاملين في منظمات المجتمع المدني السوري وعن طريق إحدى العلاقات التي تطورت إلى بناء شبكة علاقات مع فاعلين ومنظمات مهتمة بالشأن الشبابي العام والرغبة في مشاركتهم في العمل المدني.
واليوم، وفي مطلع عام 2023 ونتيجة تراكم الخبرات والعلاقات التي ساعدتني بها منظمات المجتمع المدني السوري المهتمة بالدور الشبابي وزيادة مشاركتهم نعمل بشكل حثيث مع مجموعة من الشركاء لتنمية وتطوير دور الشباب السوري وزيادة مشاركتهم بالعمل لأجل القضايا الوطنية.
المنظمات المدنية والشباب:
إن الفضاء العام للمجتمع المدني والعمل المدني بمختلف أنواعه ضمن السياق السوري هو فضاء مريح للعمل والتطور وبناء القدرات وهذا ما عشته على مدار سنوات من العمل التطوعي أو الوظيفي ضمن سياق المجتمع المدني السوري وهذه أكثر المحفزات التي دفعتني بشكل شخصي للاستمرار منذ خمس سنوات حتى اليوم.
رغم هذا ومع وجود عدد لا بأس به من المنظمات المهتمة بالعمل الشبابي والتي تدعم مشاركة الشباب إلا أنه لا يزال هناك العديد من العوائق التي تمنع الشباب من المشاركة وتساهم في عُزوفهم عن الإقبال نحو الشأن السوري ومنها:
· النمطية المقيتة التي تؤطر الشباب في قوالب معينة وتمنع مشاركتهم.
· الشائعات والفهم الخاطئ لعمل المنظمات.
· النظرة المجتمعية للمنظمات.
· العوائق المادية للشباب وضعف الهوية والانتماء.
كما سبق وأسلفت فإن الفضاء المدني السوري واسع ويتيح العمل بمختلف أنواعه إلا أنه بحاجة للتعامل مع العوائق التي تمنع الشباب من المشاركة وكما يقال تجديد دماء تلك المنظمات، وإلا فإننا سنرى خلال مدة قصيرة مؤسسات تتسم بطابع الملل والنمطية والقولبة وإخراج العمل المدني عن سياقه وتحولها لمجرد مؤسسات جامدة تخلو من العصب الرئيسي للعمل وهو المسؤولية المجتمعية.
مستقبل العمل المدني:
إن زيادة فعالية الشباب وتنمية مهاراتهم وتمليكهم الأدوات المناسبة وتعزيز مشاركتهم في الشأن المجتمعي على الشقين السياسي والاجتماعي المدني سيساهم بتطوير المجتمع ونهضته وسيساهم في تعزيز عملية بناء السلام وتحقيق العدالة الاجتماعية وهذا ما لمسناه خلال السنوات الماضية من العمل مع الشباب في جنوب تركيا و شمال سوريا من خلال مجموعة من المبادرات والمشاريع التي تم العمل عليها مع الفرق والهيئات الشبابية في المنطقة، وارتفاع حس المسؤولية لديهم والرغبة الأم في إعادة الثورة الى مسارها الصحيح الذي انطلقت من أجله وذلك من خلال عملهم على تطوير مجتمعاتهم الصغيرة ونقل التجربة التي عاشوها مع عدد من المنظمات المحلية التي ساعدت على تفتيح آفاق الفكر لديهم وخلقت روحاً من الإبداع لديهم.
تنويه: يعبِّر هذا المقال عن رأي كاتبه فقط، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موقع بيتنا.