رحلة إبداع: نحو دمج مجتمعي حقيقي
في رحلة ملهمة ومؤثرة نحو تحقيق الدمج المجتمعي والشمولية، قامت جمعية ذوي الهمم بوضع رؤية طموحة تسعى من خلالها إلى تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من أن يكونوا جزءاً فاعلا ومؤثرا في المجتمع. هذه الرؤية لم تكن مجرد فكرة عابرة، بل هي هدف سامٍ تم العمل على تحقيقه بإصرار وعزيمة. بدعم من منظمة بيتنا، بدأت الجمعية هذه المسيرة بكامل الإيمان أن ذوي الاحتياجات الخاصة ليسوا فقط قادرين على تحقيق أحلامهم/ن، بل إنهم/ن يمتلكون إرادة وعزيمة يمكن أن تصبح نموذجا يحتذى به وقدوة ملهمة للجميع.
أدركت الجمعية أن الدمج المجتمعي الحقيقي لا يمكن أن يتحقق دون فهم عميق ودراسة وافية لواقع ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع. من هذا المنطلق، قررت الجمعية إعداد بحث شامل يغطي واقع ذوي الاحتياجات في شمال سوريا. كان الهدف من هذا البحث هو تقديم رؤية واضحة ودقيقة للتحديات التي تواجه هذه الفئة من المجتمع، وكذلك التعرف على الفرص المتاحة لهم/ن، بالإضافة إلى ذلك، هدف البحث إلى تقديم توصيات عملية لتحسين ظروفهم/ن المعيشية وتعزيز فرص اندماجهم/ن الكامل في المجتمع.
لم يكن هذا البحث مجرد دراسة نظرية، ولكنه كان الأساس الذي انطلقت منه العديد من الأنشطة والمبادرات التي تهدف إلى تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع. من بين هذه الأنشطة، كان هناك مشروع مميز ومبتكر يتمثل في إشراك 14 طفلا وطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة في رحلة فنية استثنائية. هؤلاء الأطفال تم اختيارهم/ن بعناية بناء على نتائج البحث، وتم تزويدهم/ن بفرصة للمشاركة في دورة تدريبية مكثفة في الرسم، وهو أحد أهم وسائل التواصل والتعبير عن الذات خاصة بالنسبة للأطفال.
فالرسم ليس مجرد نشاط فني بسيط، بل هو لغة عالمية يمكن للأطفال من خلالها التعبير عن المشارع والأفكار والأحلام بحرية تامة. من خلال هذه الدورة التدريبية، تمكن الأطفال من تطوير مهاراتهم/ن اللغوية والتعبيرية والانفعالية أيضاً، حيث صنعوا حواراتهم/ن الخاصة مع الورق والألوان. هذه الحوارات تجسدت في رسومات تعبر عن مطالبهم/ن، أحلامهم/ن، وتطلعاتهم/ن المستقبلية. كانت الرسومات بمثابة نافذة تطل على عوالمهم/ن الداخلية، حيث تم التعبير عن تلك المشاعر بشكل إبداعي ومؤثر.
لم تكن هذه الرحلة مجرد تجربة فردية لكل طفل على حدة، بل كانت تجربة جماعية شملت فريق عمل متخصص ومدرب. هذا الفريق، الذي يتألف معظمه من متطوعين ومتطوعات بكامل الإخلاص، كان جاهزا لتقديم الدعم اللازم للأطفال من جميع النواحي، سواء كانت نفسية إجتماعية أو تعليمية. وبهذا الدعم، تمكن الأطفال من تجاوز العديد من التحديات، وتحويل الأفكار والأحلام إلى واقع ملموس من خلال أعمالهم/ن الفنية.
وفي نهاية هذه الرحلة الفنية المميزة، تم تنظيم معرض فني ليضم هذه الرسومات التي أبدعها الأطفال. لم يكن هذا المعرض مجرد مكان لعرض اللوحات، بل كان مساحة للاحتفاء بإبداع الأطفال وشغفهم/ن. ومع انتشار خبر المعرض، سارع أطفال آخرون من ذوي الاحتياجات الخاصة للانضمام إليه، مشاركين بإبداعاتهم/ن وشغفهم/ن في كل زاوية من زوايا المعرض.
لم يمر هذا الحدث دون اهتمام إعلامي، حيث قامت منصات إعلامية متعددة بتغطية فعاليات الدورة التدريبية والمعرض. هذا الاهتمام الإعلامي ساهم في نشر الوعي المجتمعي حول حقوق واحتياجات هذه الفئة، وتعزيز التوجهات الإيجابية نحو دعمهم/ن وتمكينهم/ن في المجتمع.
يمكن القول أن هذا المشروع كان خطوة كبيرة نحو بناء مجتمع أكثر شمولية وإنسانية، مجتمع يحتفي بالتنوع ويقدر الإمكانات الفريدة لكل فرد فيه. قصة النجاح هذه ليست فقط شهادة على قدرة ذوي الاحتياجات الخاصة على التفوق والإبداع، بل هي أيضا دعوة مفتوحة للمجتمع لدعم هؤلاء الأفراد وأعطائهم/ن الفرصة لإظهار إمكاناتهم/ن الكامنة.