لا قضايا تجمعنا - عوامل استقطاب المجتمع المدني السوري
17 نيسان، 2023، سعى بحثنا هذا إلى فهم واقع المجتمع المدني السوري بمكوناته الرئيسة، وفي مختلف الجغرافيات السورية. حاولنا هنا فهم حالة الانقسام فيه وعواملها وآثارها. أردنا الإجابة عن ثلاثة أسئلة أساسية: هل المجتمع المدني في سوريا منقسم بشكل استقطابي؟ وما العوامل المسببة لهذا الاستقطاب إن وجد؟ وهل تُمكن إعادة بناء مجتمع مدني متماسك؟
للإجابة عن هذه الأسئلة اخترنا مقابلة شخصيات مفتاحية من مكونات المجتمع المدني المختلفة والعاملة في جغرافيات السيطرة السورية الأساسية الثلاث: مناطق سيطرة الحكومة المركزية، ومناطق سيطرة المعارضة، ومناطق سيطرة الإدارة الذاتية، فضلاً عن تلك العاملة خارج سوريا. يمكن تلخيص أهم استنتاجات البحث بما يلي:
● هنالك ثلاثة أشكال أساسية من الانقسامات: ضمن المؤسسة الواحدة، وضمن الجغرافيا الواحدة (انقسامات اجتماعية- سياسية)، وعبر الجغرافيا (انقسامات مناطقية أو اقليمية). تتداخل هذه الانقسامات بشكل كبير، وتتأثر جميعاً بالانقسام الحاصل بين الداخل والخارج.
● يمكن تصنيف هذه الانقسامات إلى: سياسية، وجغرافية، واجتماعية. فالانقسام العابر للجغرافيا بين مناطق السيطرة الثلاث، هو سياسي بطبيعته، رغم أنه جغرافي أيضاً. أما الانقسام بين الخارج والداخل، الحاصل حتى على مستوى المؤسسة الواحدة فجغرافي بطبيعته. كما تشهد الجغرافيا الواحدة انقسامات قد تكون اجتماعية كالانقسام بين المجتمع المدني المحافظ والعلماني، والعربي والكردي، أو سياسية بين معارض ومؤيد لهذه السلطة أو تلك.
● يغذي هذا الانقسامَ حصرُ الحوارات بين النخب، وإبعاد الجيل الثاني عنها، بما يشكل حلقة حوار مغلقة لا ينعكس تأثيرها على باقي المجتمع المدني والمجتمع عموماً.
● تختلف العلاقات بين مكونات المجتمع المدني في الجغرافيات الثلاث. تبدو علاقة المكون الموجود في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية مع نظيرها في مناطق سيطرة الحكومة المركزية هي العلاقة الأضعف، رغم وجود استقطاب سياسي أقل. يعود ذلك إلى انعدام التواصل بين هذين المكونين. في حين أن تواصل المجتمع المدني في مناطق سيطرة المعارضة مع المكونين الآخرين أعلى بسبب توافر محيط جغرافي جامع، رغم التحديات السياسية الأخرى.
● تتسبب بهذه الانقسامات أربعة عوامل أساسية، هي: سياسات سلطات الأمر الواقع، وسياسات المانحين، والاستقطاب السياسي. كذلك؛ عزز غياب مساحة جغرافية جامعة _سواء في دول الجوار وفي أوروبا_ هذا الانقسام.
● أدت هذه الانقسامات بفعل تعمق الأزمة، وتباطؤ العملية السياسية، والعزل شبه التام للجغرافيات، وتضاؤل الموارد والتنافس عليها، إلى تشظ كامل للمجتمع المدني، إلى حدٍّ يكاد يعزل كل مؤسسة عن شريكاتها في القطاع نفسه، والجغرافيا ذاتها. فما بدأ استقطاباً سياسياً حاداً، انتهى إلى حالة انعزالية وتنافسية حتى ضمن المدينة الواحدة.