عمل النساء في المجتمع المدني السوري - تحديات وآمال
مدونة ضيف بقلم إلهام عاشور
9 تشرين الثاني، 2022 - لم يكن نضال النساء مقتصراً بانتفاضتهن على التنشئة الاجتماعية كما صوّره النظام السوري، وإنَّما يخضن ثورةً للمطالبة بأحقية المساواة والمشاركة الفاعلة في مجالات الحياة العامة وخاصةً السياسية للحد من الوصاية القمعية على أدوارهن.
ونتيجة لإقصاء النساء وتغييبهن فقد كان من الصعب الاتفاق على أرضية مشتركة وركائز أساسية لتعزيز جدوى الحراكات وفاعليتها، وبهذا بدأت مسيرة نضالهن القائمة على الاختلاف والخلاف في آنٍ واحد.
بالتركيز على تأسيس مجتمع مدني مستقل يؤمن بدور النساء واعياً لعمق التأثير في المجتمع عامةً حيث أنه بات من المساحات القليلة وحتى الوحيدة لتأمين فرص العمل لكل من الرجال والنساء
نتيجة لذلك اتخذ وجود النساء كشريكات في تأسيس تجربة مجتمع مدني نوعية فهناك فئة تقوم بدور (تقني، إداري، وظيفي) وفئة أخرى تقوم بتوظيف دورها في هذه المؤسسات لخدمة قضاياها والتحسين من واقع النساء سواء ضمنها أو خارجها كما سعين لخلق أدوات وآليات تخدم قضاياهن بما يتلاءم مع الرؤى المختلفة لديهن وتصديرها كبوابة للمطالبة بحقوقهن ومناصرة قضاياهن ضمن سياقات وسلطات مختلفة.
ونظراً لتعدد الفئات باتت المسؤوليات مختلفة وكثيرها يقع على عاتق الفئة المتبنية لقضاياها ومناصرة لها،يترتب على مناصري/ات تلك القضايا مسؤولية أعلى لفهم ومراعاة البيئة التي تعمل بها النساء والعمل على تحسينها وإيجاد سياسات حساسة ومراعية لوجود العاملات ضمنها دون تمييز أو إقصاء لتعزيز وصول النساء في قطاعات العمل المختلفة مركزةً على أهمية تولي النساء لمناصب إدارية وقيادية بشكل فعلي، بالإضافة لتعزيز مهارات وخبرات السيدات المهتمات في الانخراط بأي جسم أو دور سياسي من خلال إتاحة الفرص وتوفير التجربة العملية بمختلف مستوياتها ومتطلباتها ضمن أجسام وهيئات المجتمع المدني.
وبالنظر لما سبق هناك الكثير من العقبات والتحديات التي تؤثر على استمرارية السعي والنضال وإيقافه حتى فالحراكات والنضالات ومناصرة القضايا المختلفة ضمن إطار المجتمع المدني ككل يعتبر حديث التجربة ونوعيّ الانتقالات وهذا من شأنه أن يوسع جذور تلك التحديات منها (الشخصية، الاجتماعية، والسياسية).
وبالاستفاضة حول التحديات على المستوى الشخصي تعاني النساء خلال العمل في مؤسسات المجتمع المدني بين موازنة مسؤولياتها المحددة بناءً على تعدد الأدوار وسعيها المستمر لإثبات ذاتها على أنها تملك الكفاءة وقدرتها على ممارسة مهامها والمشاركة بعملية صنع واتخاذ القرارات فغالباً ما نجد شكل من أشكال المقاومة لمنع استقلالية النساء وذلك ليس في العمل فقط وإنما أيضاً في الحياة العامة خوفاً من فرض نفوذ وإحداث خلل في هرمية العلاقة والقوى وتأثيرها داخل الاسرة، الأمر الذي قد يغير شكل الأدوار الاجتماعية والتي بدورها تثير حفيظة المجتمع واستياءه، بالإضافة لتحديات تتعلق بحرية تنقلها بسبب المسؤوليات المترتبة عليها ضمن دورها الرعائي (العناية بالأطفال أو كبار السن) أو حتى بعدم امتلاكها قرار التنقل من الأصل في حال كانت مرجعية القرار لإحدى ذكور العائلة، مما يؤدي لخسرانها فرص كثيرة خلال مسيرتها العملية وضعف كبير بالمهارات والخبرات العملية لديها.
وهناك تحديات متداخلة بين شخصية وسياسية كاعتبار النساء غير جديرة بالدور الذي تقوم به لمجرد أن المجتمع يصنفها ضمن قوالب وأدوار نمطية لا يجب تخطيها وأنها وغير قادرة على لعب الأدوار الحساسة المتعلقة بالتفاوض وفض النزاعات والوساطة وتقديم الاستشارات أو حتى أدوار وظيفية اعتاد المجتمع على وجود رجل بها .
وهناك فئة تشعر بأنها تتعرض للتمييز بناءً على معتقداتها أو على اختلاف تفكيرها بالنسبة للبيئة التي نشأت ضمنها (فالمنقبة تشعر أنها مرفوضة ببيئات العمل، السيدات المقيمات حديثاً في المنطقة يجدن أنفسهن محط تشهير واتهامات تطالهن بسبب الاختلاف حتى في طريقة اللباس، الحالة الاجتماعية للسيدات قد تسبب لهن إقصاء، كما أن العمر يلعب دوراً مهماً بتلك التصنيفات) وبذلك تجد النساء نفسها واقعةً بدوامة من التحديات بدءاً من نفسها مروراً بأُسرتها وصولاً للجيران وانتهاءً ببائع الخردة.
وعلى المستوى المجتمعي فتعاني النساء من رفض مستمر لدورها وذلك لتراكم المسببات والنتائج على مدار السنوات.
فالمؤسسات الدينية وبعض الفاعلين/ات ضمنها بالإضافة لوجهاء المنطقة يمارسون ضغط على النساء العاملات بشكل عام كما يحشدن ضدهن من خلال إصدار الأحكام والاتهامات.
وفيما يخص التحديات على المستوى السياسي تعاني النساء من المشاركة الفاعلة كما يعاني الشباب، حيث يتم إقصائها بشكل ممنهج عن عمليات صنع واتخاذ القرار على المستوى المحلي والوطني وإعطاء الأولوية للرجال دائماً بهذا المجال لاعتبارهم أكثر قدرة على الانخراط في العمل والتعامل مع تحدياته، كما تنئي النساء نفسها عن المشاركة السياسية خوفاً من التعرض لأي حملات تشهير ضدها قد تؤدي لمصير سيء ومحاربة مجتمعية كبيرة.
وانطلاقاً من تلك التحديات وبالاستفادة من تجارب النساء ومن برامج التمكين وبناء الخبرات والمعارف اتخذت المدافعات دوراً مهماً في منظمات المجتمع المدني من حيث توفير بيئات عمل آمنة وداعمة لوجود النساء وملائمة مع ظروفها بمختلف أوضاعها (أم عاملة، سيدة ذات احتياجات خاصة، مطلقة، معيلة....) وإيجاد سياسات تراعي وضعهن من حيث الدوام ومسؤولياتهن المتعلقة بدورهن الرعائي، بالإضافة لإجازات الأمومة والإرضاع وفي بعض الأحيان إجازات تراعي فترة الدورة الشهرية، أو تخصيص غرف منفصلة للسيدات المنقبات للخصوصية أو أداء الفروض وغيرها...
كما تم العمل على تفعيل مدونات سلوك وآليات شكاوى وسياسات تحد من التمييز والتحرش بالإضافة لسياسات تعزز وجود النساء في المناصب الإدارية والقيادية، ولكن من المؤكد لا يمكننا تحقيق جدوى من السياسات المكتوبة، ولضمان تفعيلها يجب العمل على تشكيل جهات مستقلة تتابع وترصد مدى فاعلية التطبيق وملائمته.
وأخيراً تسعى السيدات المدافعات دائماً لأن تكون النساء متمتعات بحقوقهن ومشاركات فاعلات بعمليات صنع واتخاذ القرار على كافة المستويات لوصول لمجتمع يحترم جميع مكوناته دون إقصاء أو تمييز.
تنويه: يعبِّر هذا المقال عن رأي كاتبته فقط، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موقع بيتنا.